فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أما قوله تعالى: {وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل في سَمّ الخياط} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
الولوج الدخول.
والجمل مشهور، والسم بفتح السين وضمها ثقب الإبرة قرأ ابن سيرين {سَمّ} بالضم، وقال صاحب الكشاف: يروي {سَمّ} بالحركات الثلاث، وكل ثقب في البدن لطيف فهو سم وجمعه سموم، ومنه قيل: السم القاتل.
لأنه ينفذ بلطفه في مسام البدن حتى يصل إلى القلب، و{الخياط} ما يخاط به.
قال الفراء: ويقال خياط ومخيط، كما يقال إزار ومئزر ولحاف وملحف، وقناع ومقنع، وإنما خص الجمل من بين سائر الحيوانات، لأنه أكبر الحيوانات جسمًا عند العرب.
قال الشاعر:
جسم الجمال وأحلام العصافير

فجسم الجمل أعظم الأجسام، وثقب الإبرة أضيق المنافذ، فكان ولوج الجمل في تلك الثقبة الضيقة محالًا، فلما وقف الله تعالى دخولهم الجنة على حصول هذا الشرط، وكان هذا شرطًا محالًا، وثبت في العقول أن الموقوف على المحال محال، وجب أن يكون دخولهم الجنة مأيوسًا منه قطعًا.
المسألة الثانية:
قال صاحب الكشاف: قرأ ابن عباس {الجمل} بوزن القمل، وسعيد بن جبير {الجمل} بوزن النغر.
وقرئ {الجمل} بوزن القفل، و{الجمل} بوزن النصب، و{الجمل} بوزن الحبل، ومعناها: القلس الغليظ، لأنه حبال جمعت وجعلت جملة واحدة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى أحسن تشبيهًا من أن يشبه بالجمل.
يعني: أن الحبل مناسب للخيط الذي يسلك في سم الإبرة، والبعير لا يناسبه.
إلا أنا ذكرنا الفائدة فيه.
المسألة الثالثة:
القائلون بالتناسخ احتجوا بهذه الآية، فقالوا: إن الأرواح التي كانت في أجساد البشر لما عصت وأذنبت، فإنها بعد موت الأبدان ترد من بدن إلى بدن، ولا تزال تبقى في التعذيب حتى أنها تنتقل من بدن الجمل إلى بدن الدودة التي تنفذ في سم الخياط، فحينئذ تصير مطهرة عن تلك الذنوب والمعاصي، وحينئذ تدخل الجنة وتصل إلى السعادة واعلم أن القول بالتناسخ باطل وهذا الاستدلال ضعيف، والله أعلم.
ثم قال تعالى: {وكذلك نَجْزِى المجرمين} أي ومثل هذا الذي وصفنا نجزي المجرمين، والمجرمون والله أعلم هاهنا هم الكافرون، لأن الذي تقدم ذكره من صفتهم هو التكذيب بآيات الله، والاستكبار عنها. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله عز وجل: {إِنَّ الذين كَذَّبُواْ بآياتنا} أي بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن {واستكبروا عَنْهَا} يعني: استكبروا عن قبولها.
ويقال: عن النظر فيها {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أبواب السماء} لأعمال الكفار أي: ليس لهم عمل صالح يفتح لهم أبواب السماء ويقال: لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء إذا ماتوا.
وقال بعضهم: أبواب السماء أي أبواب الجنة {وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل في سَمّ الخياط} أي لا يدخلون الجنة أبدًا كما لا يدخل الجمل في ثقب الإبرة.
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن الجمل.
فقال: زوج الناقة.
وقال الضحاك: الجمل الذي له أربع قوائم.
وقال بعض الناس: الجمل هو أشتر بالفارسية وقال الحسن: هو ولد الناقة وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ {حتى يَلِجَ الجمل} بضم الجيم وتشديد الميم وهو حبل السفينة الغليظ.
وسئل عكرمة عن قوله: {حتى يَلِجَ الجمل} قيل: وما الجمل؟ قال: الحبل الذي يصعد به النخل.
قال سعيد بن جبير هو حبل السفينة الغليظ.
قرأ أبو عمرو لا تُفْتَحْ بالياء بلفظ التذكير بالتخفيف.
وقرأ الباقون بالتاء المشددة.
فمن قرأ بالتأنيث فلأنها من جماعة الأبواب.
ومن قرأ بالتذكير فلأن الفعل مقدم.
ومن قرأ بالتشديد أراد به تكثير الفتح.
ومن قرأ بالتخفيف فتفتح مرة واحدة وقرأ بعضهم في سُمِّ بضم السين وهي قراءة شاذة وهما لغتان قال أبو عبيدة: كل ثقب فهو سم.
ثم قال عز وجل: {وكذلك نَجْزِى المجرمين} أي هكذا نعاقب المشركين. اهـ.

.قال الثعلبي:

{إِنَّ الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ}
قرئ بالياء والياء والتشديد والتخفيف جميعًا {لَهُمْ أَبْوَابُ السماء} يعني لأرواحهم وأعمالهم لأنّها خبيثة فلا يصعد بل تهوى بها إلى سجن تحت الصخرة التي تحت الأرضين.
روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الميت ليحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة، وأبشري بروح من الله وريحان ورب غير غضبان فيقولون ذلك حتّى تخرج ثمّ تعرج بها إلى السماء فينفتح لها فيقال: من هذا فيقال: فلان فيقولون: مرحبًا بالنفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فيقال: ذلك لها حتّى يعرج بها إلى السماء السابعة. وإذ كان الرجل السوء قالوا: اخرجي أيتها النفس الخبيثة من الجسد الخبيث اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج، فيقولون ذلك حتّى يخرج، ثمّ يعرج بها إلى السماء فتفتح لها فيقال: من هذا فيقولون فلان، فيقولون: لا مرحبًا بالنفس الخبيثة التي كانت في الجسد الخبيث أرجعي ذميمة فإنه لا يفتح لك أبواب السماء فيُرسل من السماء والأرض فيصير إلى القبر».
{وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط} يعني يدخل البعير في ثقب الإبرة وهذا مثل والسمّ وهو الإبرة.
وقرأ عكرمة وسعيد بن جبير: الجمل بضم الجيم وبتشديد الميم. وهو حبل السفينة ويقال لها الفلس قال عكرمة: هو الحبل الذي يصعد به إلى النخل {وكذلك نَجْزِي المجرمين}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أي لا تفتح لأرواحهم لأنها تفتح لروح الكافر وتفتح لروح المؤمن، قاله ابن عباس، والسدي.
والثاني: لا تفتح لدعائهم، قاله الحسن.
والثالث: لا تفتح لأعمالهم، قاله مجاهد، وإبراهيم.
والرابع: لا تفتح لهم أبواب السماء لدخول الجنة لأن الجنة في السماء، وهذا قول بعض المتاخرين.
والخامس: لا تفتح لهم أبواب السماء لنزول الرحمة عليهم، قاله ابن بحر.
{وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يِلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} فيه قولان:
أحدهما: سم الخياط: ثقب الإبرة، قاله ابن عباس، الحسن، ومجاهد، وعكرمة، والسدي.
والثاني: أن سم الخياط هو السم القاتل الداخل في مسام الجسد أي ثقبه.
وفي {الْجَمَلِ} قراءتان:
إحداهما: وعليها الجمهور، الجَمَل بفتح الجيم وتخفيف الميم وهو ذو القوائم الأربع.
والثانية الجُمَّل بضم الجيم وتشديد الميم وهو القلس الغليظ، وهذه قراءة سعيد بن جبير، وإحدى قراءتي ابن عباس، وكان ابن عباس يتأول أنه حبل السفينة.
ومعنى الكلام أنهم لا يدخلون الجنة أبدًا كما لا يدخل الجمل في سم الخياط أبدًا، وضرب المثل بهذا أبلغ في إياسهم من إرسال الكلام وإطلاقه في النفي، والعرب تضرب هذا للمبالغة، قال الشاعر:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي ** وعاد القار كاللبن الحليب

. اهـ.

.قال ابن عطية:

{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}
هذه الآية عامة في جميع الكفرة قديمهم وحديثهم، وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر {لا تُفتَّح} بضم التاء الأولى وتشديد الثانية، وقرأ أبو عمرو {تُفْتَح} بضم التاء وسكون الفاء وتخفيف الثانية، وقرأ حمزة والكسائي {يفتح} بالياء من أسفل وتخفيف التاء، وقرأ أبو حيوة وأبو إبراهيم {يفَتّح} بالياء وفتح الفاء وشد التاء، ومعنى الآية لا يرتفع لهم عمل ولا روح ولا دعاء، فهي عامة في نفي ما يوجب للمؤمنين بالله تعالى، قاله ابن عباس وغيره، وذكر الطبري في كيفية قبض روح المؤمن والكافر آثارًا اختصرتها إذ ليست بلازمة في الآية، وللين أسانيدها أيضًا، ثم نفى الله عز وجل عنهم دخول الجنة وعلق كونه بكون محال لا يكون، وهو أن يدخل الجمل في ثقب الإبرى حيث يدخل الخيط، و{الجمل} كما عهد وال {سم} كما عهد، وقرأ جمهور المسلمين: {الجمل}، واحد الجمال، وقال الحسن هو الجمل الذي يقوم بالمديد ومرة لما أكثروا عليه قال هو الأشتر وهو الجمل بالفارسية، ومرة قال هو الجمل ولد الناقة وقاله ابن مسعود.
قال القاضي أبو محمد: وهذه عبارة تدل على حرج السائل لارتياب السائلين لا شك باللفظة من أجل القراءات المختلفة، وذكر الطبري عن مجاهد عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: {حتى يلج الجمل الأصفر}، وقرأ أبو السمال {الجمْل} بسكون الميم وقرأ ابن عباس وعكرمة ومجاهد وابن جبير الشعبي ومالك بن الشخير وأبو رجاء: {الجُمّل} بضم الجيم وتشديد الميم وهو حبل السفينة، وقرأ سالم الأفطس وابن خير وابن عامر أيضًا: {الجُمْل} بتخفيف الميم من الجمل وقالوا هو حبل السفن، وروى الكسائي أن الذي روى تثقيل الميم عن ابن عباس كان أعجميًا فشدد الميم لعجمته.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف لكثرة أصحاب ابن عباس على القراءة المذكورة وقرأ سعيد بن جبير فيما روى عنه: {الجُمْل} بضم الجيم وسكون الميم، وقرأ ابن عباس أيضًا: {الجُمُل} بضم الجيم والميم، والسم: الثقب من الإبرة وغيرها يقال سَم وسِم بفتح السين وكسرها وضمها، وقرأ الجمهور بفتح السين، وقرأ ابن سيرين بضمها، وقرأ أبو حيوة بضمها وبكسرها، وروي عنه الوجهان، و{الخياط} والمخيط الإبرة، وقرأ ابن مسعود: {في سم المِخْيَط} بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الياء، وقرأ طلحة {في سم المَخيط} بفتح الميم، وكذلك أبى على هذه الصفة وبمثل هذا الحتم وغيره يجزى الكفرة وأهل الجرائم على الله تعالى. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إن الذين كذبوا بآياتنا} أي: بحججنا وأعلامنا التي تدل على توحيد الله ونبوَّة الأنبياء، وتكبَّروا عن الإيمان بها {لا تُفَتَّح لهم أبواب السماء}.
قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر: {تُفتَّح}؛ بالتاء، وشددوا التاء الثانية.
وقرأ أبو عمرو {لا تُفْتَح} بالتاء خفيفة، ساكنة الفاء.
وقرأ حمزة، والكسائي: {لا يُفْتَح} بالياء مضمومة خفيفة.
وقرأ اليزيدي عن اختياره: {لا تَفتح} بتاء مفتوحة {أبوابَ السماء} بنصب الباء، فكأنه أشار إلى أفعالهم.